مسؤولية الكلمة

إن الحمد لله نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأ شهد أن محمداً عبدُه و رسولُه. (يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمُون). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). (يَا أيها الذين آ منوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً)
أيها المجتمعون لصلاة الجمعة إن من أعظم النعم التي خص الله بها الإنسان دون غيره من الكائنات نعمة النطق والكلام (الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ الرحمن : 1-4 ولكن جعل الإنسان مسؤولا عن كلامه (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ قـ : 18 وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه "وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
فاعلموا أننا مسؤولون أن نتخير الكلم الطيب ونجتنب خبيثه لذلك ضرب الله تعالى مثالا رئعا، فصوره تصويرا بليغا فتأملوا يرحمكم الله هذا المثال المتحرك في سورة إبراهيم: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ إبراهيم :24-25-26
لو نتأمل يرحمكم الله مثل الكلمة الطيبة نجده بعد قوله تعالى: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ إبراهيم : 23 أما مثل الكلمة الخبيثة نجد الآية التي بعدها قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ إبراهيم : 28 وكأن تناسق الآيات يفيد أنه من أراد الجنة عليه أن يلزم الكلمة الطيبة، ومن أراد أن ينجو من دار البوار وهي جهنم أن يحذر الكلمة الخبيثة وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم الذي ورد في الصحاح "إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم.أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح
فالكلمة الطيبة عباد الله غذاء للروح كثمار الشجرة الطيبة، وهي كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " والكلمة الطيبة صدقة" هي بمثابة الصدقة لأنها كثيرا ما تحيي النفوس وتكون سببا للنجاح أو لإزالة هم عن مغموم، فقد تكون نصيحة لحائر أو تشجيع معلم لتلميذه أو إرشاد والد لوده أو تذكيرا لضال، بل الكلمة الطيبة قد تكون خير من مال يتصدق به (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ البقرة : 263
إعلموا أيضا أيها المستمعون أن الكلمة الخبيثة قد تكون أشد أذا من شوك الشجرة الخبيثة أو سمومها فكم من كلمة قتلت إنسانا بل أشعلت نارا وفتنة في مجتمعات، كم من كلمة دمرت أسرا وضيعت شبابا لأن كثيرا من الناس ألسنتهم ثعابين لا تخرج إلا حمما وسموما.
أيها المسلمون المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، )وقولوا للناس حسناً) (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن).
إعلموا أيها الفضلاء أن مسؤولية الكلمة لا تنتهي في الكلام بل قد تكون أخطر عندما تكون بالقلم، عندما تكون بأنامل اليد في الحواسيب والهواتف الذكية، يا من يستعمل الأنترنت وشبكات التواصل، كلها وسائل ذات حدين، فلنجعلها في الخير، فأيها الفايسبوكيون من أراد أن يكتب فليكتب ما ينفع ويرفع ويجمع شمل الأمة وينشر الفضيلة فسبل الخير كثيرة، أما المتعرضون للهيئات وهمهم جرح الأشخاص وانتقاد كل عامل للخير والمتدخلون في نوايا الآخرين وشغلهم إحياء الأفكار الشاذة التي تقاتل الناس عليها قديما، فهؤلاء ويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون فهم يتخفون وراء أسماء مستعارة فالله يعلم مواقعهم وأسرارهم وأسماءهم قبل تعلمها المصالح المختصة ومصالح القضاء.  
اللهم اجعلنا من اهل الكلمة الطيبة وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

الخطبة الثانية: الحمد لله الحسيب الرقيب غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ونصل على حبيبنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الداعي بأخلاقه وإحسانه وعلى أصحابه الصادقين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المتنعمون بنعمة الكلام، كثيرا ما يخجل أحدنا أن يسير مع أهله أو أمه أو مع ضيف غريب له في بعض شوارعنا لأنه بمجرد أن يتشاجر اثنان حتى تسمع شتى أصناف الكلمة الخبيثة، من ذكر للعورات وسب للدين وأقبح من ذلك إن كان سب للخالق العظيم، أيها المسلمون ألا نخجل من أن نسمي أنفسنا مسلمين، مسلم يسب دينه ويسب ربه ما حكم صلاته وصيامه؟ هل يصنف كافرا أم مرتدا؟ ما حكم زوجته هل ستبقى في حله؟ ما حكم ذريته من بعد ذلك؟ هل له الحق أن يرث أو يورث؟ كلها أسئلة نتركها لأهل الفقه أن يفتوا فيها، مسلم يسب خالقه لا توجد في قاموس العقلاء، بل لا توجد في قاموس الشيطان الذي خاطب ربه بقوله "فبعزتك" إعترف بعزة الله تعالى.
إسمعوا إلى هذا الحكم القرآني، وهو أنه لا يجوز لك أن تسب آلهة المشركين ولو كانت بوذا أو اللات والعزى، لماذا ياربنا؟ إسمعوا إلى قوله تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) إنها آلهة باطلة ولكن عندما تسبها فالمشرك سيسب ربك وهو الإله الحق الخالق العظيم، فالله تعالى لا يرضى أن يسبه أحد ولو كان مشركا ولو بغير علم منه، فكيف أن يسبه مسلم ويتفنن في ذلك، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كفرا.
فاللهم لا تواخذنا بذنوبنا ولا بذنوب غيرنا ولا بما فعله واقترفه السفهاء منا.
فلنعلم ألسنتنا الكلم الطيب ولو في حالة الغضب فمن المسلمين في بعض المجتمعات مهما غضب لا تسمع منه إلا طيبا، كقولهم الله يهديك، الله يغفرلك، يرحم والديك، الله يعطيك ما تتمنا فقد ابتعد عني، لأنه من عود نفسه كلاما، سيخرج حالة الغضب بل سيخرج حين سكرات الموت، لأن أصل المسلم لا يعرف السب كالنحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تطعم إلا طيبا.
اللهم ارزقنا الحلم والكلمة الطيبة اللهم أطعمنا طيبا واستعملنا صالحا وتوفنا طيبين وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. اللهم أغثنا برحمتك واسقنا من فضلك ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك وأصلح ذرياتنا وتب علينا واجعلنا من المسلمين لك إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم.  اللهم صل على سدينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحمد لله رب العالمين - وأقم الصلاة -

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *