صفحة جديدة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبدُه و رسولُه. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).
أيها المجتمعون لصلاة الجمعة يوم واحد يفصلنا عن نهاية سنة 2016 لنبدأ سنة جديدة، 365 يوما من حياتنا أصبحت لا شيء .. طويت صفحاتها وانقضت ساعاتها، بأفراحها وأحزانها بحرها وبردها وعبرها، مضت لتكون شاهدةً علينا بما أودعناه فيها من خيرٍ أو شر، مضت ولن تعود إلى يوم القيامة، وفي هذه الأيام من نهاية السنة تقوم المؤسسات على مختلف تخصصاتها بإصدار الحصيلة السنوية لنشاطها سواء سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية وحق على كل واحد منا أن يضع حصيلة لعامه المنصرم بل لعمره يقوم بها سلوكه وماضيه ويحسن حاضره ويخطط لمستقبله.
أيها المنتبهون لحقيقة ماضيهم، كثيرا ما نتوهم أن ما مضى من عمرنا طواه النسيان وفني مع فناء الأيام، كلا (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ المجادلة : 6 إن كل ما عملناه قد دوِّن وحفظه الكرام الكاتبون وسيعرض علينا في يوم القيامة في هذا المشهد الخالد {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (49 الكهف) ولا يمح السيئات إلا التوبة النصوح ولكن الإنسان يحب التسويف ويشغله اللهو والغفلة (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)الحديد14
أيها العارفون لقيمة الحياة، استحضروا قيمة هذه اللحظات التي نعيشها، نحن الآن من الأحياء هل سندرك سنة 2017 بل هل سنضمن الخروج من المسجد أحياء، كم من الأحباب والأقران الذين غيّبهم الموت وطواهم التراب في 2016، لقد عاشوا كما عاش غيرهم وحلموا وخططوا كما خطط غيرهم، ولكن سبقهم قدر الله السابق، من منا يضمن أن اسمه غير وارد في قائمة المتوفين لسنة 2017، أكبر نعمة هي اللحظة التي تعيشها، تستطيع أن تذكر الله، أن تتوب، أن تستدرك، أن تعمل الخير، أن تسامح، إننا لن نعرف حقيقة نعمة طول العمر مع حسن العمل إلا حين الموت (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المؤمنون :99-100.
أيها المخططون لمستقبلهم، الإسلام شرع لنا أن نخطط لحياتنا، أكبر دليل في ذلك الخطة التي وضعها الكريم يوسف (عليه السلام) لأهل مصر مدتها خمسة عشر سنة لإخراج أهلها من مجاعة محققة، فوضع الخطط والبرامج وآليات التنفيذ وغيرها من صميم ديننا، ولكن الله تعالى يرشدنا إلى مستقبل أقرب وأخطر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ الحشر : 18 إنه مستقبل أقرب من أي مستقبل تخطط له وتأمله لأن الموت إذا جاء انهدمت كل الخطط، واسألوا أهل المقابر هل بلغوا كل أمانيهم؟ هل نفذوا كل مصالحهم وشؤونهم؟ (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً. وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً. وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى. يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي الفجر :21-24 يقول: يا ليتني قدَّمتُ في الدنيا من الأعمال ما ينفعني لحياتي في الآخرة.
أيها المقدمون لحياتهم، لنبدأ صفحة جديدة نخطط فيها لحياتنا الدنيا لمشاريعنا، نخطط لآمالنا لطموحاتنا، ولكن نجعل من ضمن مخططاتنا آخرتنا، نهذب ونجمل مخططاتنا بتذكرنا لمصيرنا الحقيقي، فاسمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدر له".
أيها العاشقون للخلود، من منا لا يريد أن يخلد في نعم الدنيا، حب الخلود من طبيعة الإنسان، إبليس قال لآدم: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى طه : 120 والله جعل الدنيا دار فناء ولكن جعل الخلود في الأعمال الصالحة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" فاجعل أخي العزيز من ما تبقى من حياتك ما يبقى لك ذخره وأجره بعد موتك، فلا تحقر صدقة تقدمها أو نصح ضال أو دعوة شارد أو تعليم ناشئ فالله غني كريم لا يضيع أجر من أحسن عملا.
اللهم اجعل يومنا خيرا من أمسنا واجعل غدنا خيرا من يومنا وارزقنا أعمالا صالحة ترضى بها عنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

الخطبة الثانية:

الحمد لله الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ، والذي جعل في اختلاف الليل والنهار آيات لأولي الألباب، والصلاة والسلام على خير العابدين لربه حتى أتاه اليقين وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المرتقبون للعام الجديد، عام نستقبله والعالم يموج بعضه في بعض، أزمات اقتصادية خانقة، وسياسات جائرة، وحروب طاحنة، وفتن مهلكة، وكوارث مفجعة، في كلها نجد المسلمين أكبر المتضررين، كل هذا لا يمنعنا أن نبدأ بأنفسنا عسى الله أن يغير أحوالنا، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال 53، يا من له خصومات مع والديه مع إخوانه مع أبنائه أصلح ذات بينك، يا من له ديون وتبعات وكفارات هلا تنصلت منها وبادرت لأدائها وحاللت أصحابها، يا من أهملت وصيتك لم تجددها بل لم تكتب وصية وعندك ما توصي به هل عندك ضمان من ملك الموت؟ يا من هجرت كتاب الله لا تقرأه إلا قليلا إجعل وردا يوميا تتعهده،فهل يعقل أن يعيش مسلم بغير دستور خالقه؟ يامن ملأ وقته بالفارغات وضيع حياته في الملهيات هل من اعتبار ممن تخطفته المنية من حولك أم أنت من الخالدين؟
خلاصة القول أن نستقبل عامنا الجديد بنية جديدة وعزم صادق لنغير من حياتنا إلى أفضل، فأحد الدعاة يقول:"حقائق اليوم أحلام الأمس، وحقائق الغد أحلام اليوم" والمرئ يدرك بنيته ما لا يدركه بعمله.
اللهم يا أرحم الراحمين أنت منتهى أمل الآملين وغاية سؤل السائلين وليّ الصالحين وأمان الخائفين ومجيب دعوة المضطرين وغياث المستغيثين وقاضي حوائج المحتاجين ويا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك وأصلح ذرياتنا وتب علينا واجعلنا من المسلمين لك إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر. والحمد لله رب العالمين.

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *