سبحان الذي أسرى بعبده

      إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسناومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأ شهد أن محمداً عبدُه و رسولُه. (يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).  (يَا أيها الذين آ منوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً).
أيها المجتمعون لصلاة الجمعة نعيش هذه الأيام بركات نهاية شهر الله الحرام رجب ونقول اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان في صحة وأمن وإيمان وعافية وسلام، ونتذكر في نهاية شهر الله الحرام رجب محطة من أعظم محطات الإسلام إنها الإسراء والمعراج وهي تنقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماوات العلى عند سدرة المنتهى حيث لا يعلم إلا الله جل وعلا كنهها وحقيقتها وهي معجزة عظيمة اختص الله بها عبده الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) سورة الإسراء. (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) سورة النجم. هذه الرحلة الربانية كانت هدية لرسوله الكريم بعد عام الحزن الذي مات في عمه أبو طالب وتوفيت فيه زوجته الكريمة أمنا خديجة رضي الله عنها وبعد أن كذبه قومه وآذوه أهل الطائف فأراد ربه الحليم اللطيف أن يكرمه بالإسراء والمعراج وأكرمه وأكرمنا نحن من بعده في نفس الوقت بأعظم شيء، نعم أكرمه بمفاتح خزائن السماوات والأرض إنها الصلاة عباد الله.
أيها الأحبة كل الشرائع فرضت في الأرض عن طريق سيدنا جبريل عليه السلام إلا الصلاة فرضت في السموات العلا بوحي من الله مباشر لعظم قدرها فالصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فكأنما هدم الدين.
أيها الأخ الكريم قد تمل سماع كثير من المواضيع لأنها قديمة إلا موضوع الصلاة فهو قديم متجدد لأنها الصلة بين العبد ربه "أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله"
ولنتتبع معا ذكر القرآن الكريم للصلاة، فالله يرشدنا أن من أعظم أهداف الشيطان أن يفسد على العبد صلاته (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ المائدة : 91 فالشيطان لا يهنئ حتى يفسد على المرئ صلاته إن لم يفسدها من الطهارة أفسدها من الخشوع أو أخرجها عن وقتها.
اليوم يوجد أكثر من مليار مسلم وكم نسبة الذين يصلون؟ وكم نسبة الذين يحافظون على الصلاة ويقيمونها؟ إنها نسبة ضئيلة نسأل الله السلامة، فالله أرشدنا أن الصلاة وقاية من الفحشاء والمنكر (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) وملايين المسلمين في هذا العصر عصر التقدم التقني ولكنه عصر التخلف الإيماني بعيدين كل البعد عن روح الإسلام وجوهره سببه إهمال الصلاة (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) سورة مريم ونحن في عصرنا نرى ذلك الغي، من غش وسرقة وكذب ونفاق وخيانة، وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها بل يعني تفريغها من مضمونها وإهمالها.
أيها المصلون إن الله مدح عمار بيوته بوصفهم رجال وكلمة رجال في القرآن لا تعني أنهم ذكور، فالذكور موجودون بالملايين ولكن ليسوا كلهم رجالاً (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) فهم رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وليس معناه أنهم لا يتاجرون، بل هم يتاجرون وينشؤون المشاريع ويُحصّلون الشهادات العليا ويحتلون أعلى المناصب ولكن وفق منهج الله، من غير أن تصرفهم شؤونهم عن الله وعن ذكره ولا تصدهم أشغالهم عن أوامر ربهم وفرائضه فالمسلم يده دائما العليا وليست يده هي السفلى، لا يتضعضع ولا يستكين أمام الجبارين والطغاة، لا يشكو همه إلا لله ولا يخضع إلا لرب العالمين.
عباد الله الصلاة مفتاح خزائن الله ومفاتح أرزاقه إسمعوا عباد الله الطامعين في رحمته إلى دعاء أبينا إبراهيم وهو يودع ابنه إسماعيل وأمه هاجر في صحراء مكة (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) سيدنا إبرهيم يسكن ذريته بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ فمن المنطقي أن يسأل الله أن ينبت لهم الزرع ويرزقهم مِّنَ الثَّمَرَاتِ ولكن سأل الله أن يهديهم لإقام الصلاة (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ) ما هي النتيجة (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ إبراهيم : 37 وفي كتاب الله عز وجل عدة مواضع تربط سعة الرزق والبركة فيه بإقام الصلاة (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى طه : 132 وفي آية النور التي امتدح فيها عمار بيوت الله (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ النور : 38 وفي سورة الجمعة (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ الجمعة : 11
أيها الأفاضل هذا قليل من كثير عن فضل إقام الصلاة وما يجنيه المصلي من خيرات من هذه الشعيرة العظيمة التي أرادها الله أعظم هدية لنبيه وأمته ليلة الإسراء والمعراج
ربنا اجعلنا مقيمين للصلاة محافظين عليها ولا تجعلنا من الساهين عنها المضيعين لها.
اللهم اجعل حياتنا زيادة في ابتغاء مرضاتك ورزقنا ذكرك واجعلنا من أهل رضوانك ومغفرتك وجناتك.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).


 

الخطبة الثانية:


الحمد لله الَّذِي منَّ علينا بأفضل شرائع دينه الصلاة وأرسل إلينا خير رسله فجعله رحمة للعالمين اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبع هديه إلى يوم الدين.
عباد الله في ذكرى الإسراء والمعراج نتذكر المسجد الأقصى الأسير في أيدي الصهاينة المحتلين ونتذكر ما آلت إليه أوضاع المسلمين ونبكي جراح إخواننا المسلمين المستضعفين ما يجعل كل واحد منا يستشعر عظم المسؤولية تجاه نصرة دين الله وأهله وإنما نخص هذه المناسبة بذكر الصلاة وإقامتها والمحافظة عليها لأنه لا يرجى نصرة لدين الله من مسلم تارك للصلاة أو مضيع لطهارتها وأركانها.
روى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال "أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا" واليوم ما نعانيه في صلاتنا الخشوع فبمجرد أن نكبر تكبيرة الإحرام فيحضر في بالنا كل مشاغلنا وصفقاتنا وهمومنا فكيف إذا تعمد أحدنا إهانة صلاته فضيع طهارتها ووقتها وركوعها وسجودها.
عباد الله نحن نعيش في زمن منَّ الله علينا بمشاريع تعليم الصلاة في كل المساجد وتصحيح الصلاة للكبار والصغار فلا تكتفي أخي المصلي بما تعلمته من الصلاة عند بلوغك ولكن جدد من صلاتك وصححها ولا تتركها عرضة للشيطان يسرقك من خشوعها وطهارتها وعظمتها من قلبك واحضر مجالس الذكر فتتعلم سنن الصلاة وفضلها عسى الله أن يرحمنا ويجعلنا من المفلحين.
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).
  فاللهم اجعلنا من المفلحين وجنبنا الخسران وارزقنا إيمانا صادقا وأعمالا صالحة متقبلة واجعلنا متواصين بالحق متواصين بالصبر وثبتنا عليه.  
  اللهم صل على حبيبنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الداعي بأخلاقه وإحسانه و صل على أصحابه الصادقين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك وأصلح ذرياتنا وتب علينا واجعلنا من المسلمين لك إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم.  اللهم صل على سدينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحمد لله رب العالمين - وأقم الصلاة -

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *