الزنا

بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، القوي الجبار، شديد العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وقاهر الصِّلاب، وخالق خلقه من تراب، قاصم الجبابرة، وقاهر الفراعنة، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعباد، ليبين لهم الحلال والحرام، وليحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الغر الميامين أفضل الرضا والتسليم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم و شر الأمور محدثاتها  وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .قال الله تعالى:" سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)" النور.عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ. صحيح البخاري - (ج 9 / ص 129).أحبتي في الله: خلق  الله تعالى الإنس والجن لعبادته سبحانه، ولا يتحقق ذلك إلا بإتباع أوامره تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتناب النواهي، والبعد عن المحرمات، والحذر من الكبائر، فكل ذلك من السبل الموصلة إلى رضوان الله عز وجل ومن ثم يقرُّ العبد بمغفرة ربه له ورحمته إياه، ثم ينال بعد ذلك ما كان يصبو إليه العبد من دخول الجنة والنجاة من النار، فمن أراد الجنة والفوز بها فطريقها واضح معلوم، وكذلك النار والنجاة منها أيضاً واضح معلوم لا يغفل عنهما إلا حيوان لا عقل له أو من تشبه به من بني البشر، فالله تعالى بحكمته البالغة، وعلمه الذي وسع كل شيء بيَّن للناس طريقي الخير والشر، فقال تعالى:   { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } سورة الإنسان 3. وقال عز وجل: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ( البلد )، فيجب على العبد وجوباً أن يُحكِّم عقله ويُعمِل رأيه في ذلك لاختيار الطريق الذي يوصله إلى مرضاة ربه وبالتالي إلى جنة عرضها السموات والأرض. ولقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم و ذلك في بيان طريقي الخير والشر وأن الجنة والنار قد حفت كل منهما بما يناسبها وبما يدعو العبد للعمل به ليدخل الجنة وبما يحذَّر منه فيََجْتَنِبُ النار فقال عليه الصلاة والسلام: [ حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ] ( صحيح الجامع 3147).  فمن هذا المنطلق وجب على العبد أن يسعى في هذه الدنيا جاهداً كادحاً لإرضاء ربه ونبذ ما سواه من الشهوات والكبائر، فإتباع الهوى سبب لوقوع العبد في المعصية وقد يزين له الشيطان هذه المعصية فيألفها العبد فيتخبط في المعاصي ويرتكب الكبائر غير مراع لما قد يحصل له من سوء الخاتمة عند إصراره على المعصية، قال تعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً }مريم 59
أحبتي في الله: إن ما نراه اليوم من اقتراف بعض المسلمين لكبيرة من أكبر الكبائر والعياذ بالله، وذلك جهلاً منهم، أو عناداً منهم، وعدم تقبلهم لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فاندفع أولئك الناس كالذئاب البرية المتوحشة، يفتك بعضهم ببعض من أجل إشباع غريزة ما تلبث أن تُنسى لذتها وتَبقى تبعاتها، ويُقاسى عذابها عاجلاً أو آجلاً، فلقد تهافت بعض ضعاف العقول والنفوس، وقليلي الدين، وقاصري التفكير على هذه الفاحشة العظيمة ألا وهي فاحشة الزنا أعاذ الله المسلمين من شرها وعاقبتها .  قال تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق. . . } الأعراف 33 وقال تعالى: { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } ( الأنعام 151 ). قال تعالى: { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا }  الإسراء 32. وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ]  متفق عليه  وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان ]  قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .قال سعد بن عبادة رضي الله عنه "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح". فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" أتعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني؛ ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "أخرجه البخاري ومسلم.فالزنا من أبشع الفواحش التي حرمها الله جل وعلا وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم،" وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ  .."إذا فالزنا من أكبر الكبائر بعد الكفر والشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وهو من أقبح المعاصي والذنوب على الإطلاق ، ومن أعظم الجرائم ومن كبائر الذنوب والمعاصي، لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل بسببه التعارف والتآلف والتعاون على الحق وفيه هلاك الحرث والنسل، لأنه اشتمل على هذه الآثار القبيحة، والنتائج السيئة، ورتب الله عليه حداً صارماً وقاسياً، وهو رجم الزاني بالحجارة حتى الموت إن كان متزوجاً، والجلد والتغريب إن لم يكن متزوجاً، ليحصل بذلك الارتداع والابتعاد عن هذه الفاحشة القبيحة، قال صلى الله عليه وسلم: [اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا ]  أحمد في صحيح الجامع برقم 146 .إخوة الإيمان :إن تحريم الزنا جاء موافقاً لما تقتضيه الطبيعة البشرية، ولما يسببه الزنا من أضرار وأمراض بالغة، سواءً العضوية أو النفسية أو الاجتماعية، فالزنا يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة بالجسم، ويؤدي إلى اضطراب المجتمعات، وتفكك الأسر، ولا أدل على ذلك من التفكك والضياع الذي تعيشه معظم الأسر الغربية وانحلال الحياء بسبب اقتراف فاحشة الزنا، فمجتمع لا هم َّله إلا إشباع شهواته الغريزية، ولذاته الجنسية، ذاك مجتمع فاشل هابط ساقط، ولا يأمن بعضه بعضاً لاستفحال هذه الفاحشة فيهم. فهم معرضون لشديد عقاب الله وأليم عذابه .فعند إقدام الزاني على الزنا وعند قيامه به في هذه الحالة قد ارتفع الإيمان فوق رأسه فهو بلا إيمان، ففي هذه الحالة انتفى الإيمان من قلبه وجوارحه حتى يترك هذه المعصية ـ  فكيف إذا جاء ملك الموت لتنفيذ أمر الله وقبض الأرواح، والزناة و الزواني على هذه الحالة التي تغضب جبار السموات والأرض، كيف سيكون المصير؟ كيف وقد خرج الإيمان وجاء الموت ؟ على أي حال كان هذا الزاني وهذه الزانية ؟ إنهما كانا على حال تُغضب الله العزيز الجبار شديد العقاب، فالله يمهل للظالم ولا يهمله، وإذا أخذه لم يُفلته، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر، قال صلى الله عليه وسلم: [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } هود102                                                     فهل هناك أقبح من أن يأتي رجل امرأة لا تحل له ؟ وهل هناك أفظع من أن يضع رجل نطفته في فرج حرام لا يحل له ؟ وهل هناك أقبح من أن يكشف رجل عورة امرأة لا تحل له ؟فكيف إذا داهم ملك الموت هؤلاء الزناة ؟ كيف سيكون الخلاص ؟ وأين المهرب والملتجأ ؟ وأين الناصرون ؟ وأين المنقذون ؟ وأين الآمرون بالزنا ؟ وأين شيطانهم الذي دفعهم لارتكاب تلك الفاحشة الشنيعة ؟ إن الشيطان الذي زين لهم القيام بالزنا وهوَّن أمره في قلوبهم سيتخلى عنهم في ذلك الموقف العصيب الرهيب، ومن ينفع إذا جاء الموت، وغرغرة الروح وبلغت الحلقوم، والله ِلن ينفع العاصي في تلك اللحظة أحد من الخلق أجمعين ـ فنسأل الله أن يحسن خاتمتنا - يقول جل وعلا: { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم } إبراهيم 22                           ماذا سيقول الزناة لهادم اللذات ؟ ومفرق الجماعات ؟ ماذا سيقولون لملك الموت ؟ أيقولون أمهلنا حتى نتوب إلى الله ، أم يقولون انظرنا حتى نعاهد الله ألا نعود لمثل ذلك ؟ يقول الله جل شأنه في أمثال أولئك: { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون } المؤمنون 100  أتدري ما البرزخ ؟ إنه حياة القبر وما أعده الله للزناة و الزواني فيه من ألوان العذاب التي لا يعلمها إلا هو سبحانه، وما يعقبها من عذاب أليم يوم القيامة فقد قال تقدس في علاه:{قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين *ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون *قال أخسئوا فيها ولا تكلمون }( المؤمنون 106/107). لنعلم رحمكم اله أن هناك من العذاب مالا تطيقه الجبال الراسيات، فضلاً عن أن يطيقه إنسان اكتسى لحماً وعظماً، أما كان لهؤلاء أن يصبروا على طاعة الله، ويصبروا على معاص الله، ويعلموا أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه يوم الجزاء، وقد أمروا بترك الزنا والابتعاد عنه .أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه تجدوه غفورا رحيما الخطبة الثانية: الحمد لله محل الطيبات ومحرم الخبائث والحمد لله الذي جعل لنا فيما أحل المتعة واللذة والسعادة وجعل في حرَّم الشقاء والضنك ونصلي ونسلم على الطاهر العفيف محمد صلى الله عليه وسلم وعلى زوجاته العفيفات الطاهرات أمهات المؤمنين ثم أما بعد: لنعلم أحبتي في الله أن الزنا فساد كبير، وشر مستطير، له آثار كبيرة، وتنجم عنه أضرار كثيرة، سواء على مرتكبيه، أو على الأمة عامة فهذه نبذة عن آثاره ومفاسده، وآفاته وأضراره: 1 ـ الزنا يجمع خلال الشر كلها من: قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، ووأد الفضيلة.2ـ يقتل الحياء ويلبس وجه صاحبه رقعة من الصفاقة والوقاحة. 3ـ يعلو وجهه سواد وظلمة، وما يكون من الكآبة والمقت الذي يبدو للناظرين.4ـ يخيم على قلبه ظلمة ويطمس نوره.           5 ـ ومن مضار الزنا على المجتمع اختلاط الأنساب واشتباهها، ويؤدي إلى ضيق في الأرزاق، وخراب في الديار، وإيقاع الوحشة بين أبناء المجتمع.6ـ يذهب حرمة فاعله، ويسقطه من عين ربه وأعين عباده، و يسلب صاحبه اسم البَرِّ، والعفيف، والعدل، ويعطيه اسم الفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن.7ـ ضيق الصدر وحرجه؛ فالزناة يعاملون بضد قصدهم؛ فمن طلب لذة العيش ومتعته بمعصية الله عاقبه الله بنقيض قصده؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قط.ً 8ـ أن الناس ينظرون إلى الزاني بعين الريبة والخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته وأولاده. 9- ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش؛ لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف ما حصل عليه.10- الزاني يعرِّض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.11ـ الزنا يجر إلى قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة الأهل والعيال وربما قاد إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر والشرك وهو يدري أو لا يدري؛ فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخرى من المعاصي بعدها؛ فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند من المعاصي بعدها، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة.12- إذا حملت المرأة من الزنا، فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإذا حملته على الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم، فورثهم ورآهم وخلا بهم، وانتسب إليهم وهو ليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها.13- أن الزنا جناية على الولد؛ فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمة المخلقة منها مقطوعة عن النسب إلى الآباء، والنسب معدود من الروابط الداعية إلى التعاون والتعاضد؛ فكان الزنا سبباً لوجود الولد عارياً من العواطف التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلت به قدمه.كذلك فيه جناية عليه، وتعريض له لأن يعيش وضيعاً في الأمة، مدحوراً من كل جانب؛ فإن الناس يستخِفُّون بولد الزنا، وتنكره طبائعهم، ولا يرون له من الهيئة الاجتماعية اعتباراً؛ فما ذنب هذا المسكين؟ وأي إيمان في قلب هذا الذي يتسبب في هذا المصير؟14ـ زنا الرجل فيه إفساد لامرأته المصونة وتعريضها للفساد والتلف. فقد قال صلى الله عليه وسلم " عفُّوا تعف نساؤكم ".15ـ الزنا يهيج العداوات، ويذكي نار الانتقام بين أهل المرأة وبين الزاني، ذلك أن الغيرة التي طبع عليها الإنسان على محارمه تملأ صدره عند مزاحمته على موطئته، فيكون ذلك مظنة لوقوع المقاتلات وانتشار المحاربات؛ لما يجلبه هتك الحرمة للزوج وذوي القرابة من العار والفضيحة الكبرى، ولو بلغ الرجل أن امرأته أو إحدى محارمه قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت.16ـ الزنا سبب لدمار الأمة؛ فقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله ـ عز وجل ـ ويشتد غضبه، فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة.قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها).17ـ للزنا أضرار جسيمة على الصحة يصعب علاجها والسيطرة عليها، بل ربما أودت بحياة الزاني، كالإيدز، والزهري، والسيلان، ونحوها.بعد أن تبين لنا عظم جرم الزنا، وآثاره المدمرة على الأفراد والأمة، فإنه يحسن التنبيه على وجوب التوبة من الزنا، فيجب على من وقع في الزنا، أو تسبب في ذلك أو أعان عليه أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يندم على ما مضى، وألا يرجع إليه أبدا.ولا يلزم من وقع في الزنا رجلاً كان أو امرأة أن يفضح نفسه، و يعترف بجرمه، بل يكفي في ذلك أن يتوب إلى ربه، وأن يستتر بستره عز وجل، ويتنصل عن التبعات إن كانت  ويرد المظالم ، وإن كان عند الزاني صور لمن كان يفجر بها، أو تسجيل لصوتها أو لصورتها فليبادر إلى التخلص من ذلك، وإن كان قد أعطى تلك الصور أو ذلك التسجيل أحداً من الناس فليسترده منه، وليتخلص منه بأي طريقة.وإن كانت المرأة قد وقع لها تسجيل أو تصوير وخافت أن ينتشر أمرها، فعليها أن تبادر إلى التوبة، وألا يكون ذلك معوقاً لها عن الإقبال على ربها، بل يجب عليها أن تتوب، وألا تستسلم للتهديد والترهيب فإن الله كافيها ومتوليها، ولتعلم أن من يهددها جبان ، وأنه سوف يفضح نفسه إن هو أقدم على نشر ما بيده.ثم ماذا يكون إذا هو نفذ ما يهدد به؟ أيهما أسهل: فضيحة يسيرة في الدنيا ويعقبها توبة نصوح؟ أم فضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ثم يعقبها دخول النار و بئس القرار؟وبالجملة فإن على من وقع في ذلك الجرم أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يُقبل على ربه بكلِّيَتِه، وأن يقطع علاقته بكل ما يذَكِّره بتلك الفعلة، وأن ينكسر بين يدي ربه  مخبتاً منيباً، عسى أن يقبله، ويغفر سيئاته، ويبدلها حسنات،قال تعالى:   وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً   الفرقان: 68-70. والله نسأل أن يتوب علينا إنه تواب رحيم ويغفر لنا ذنوبنا ويقينا شر أنفسنا و شر القوم الظالمين، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون والحمد لله رب العالمين.

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *