إن الله يحب المتطهرين

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبدُه و رسولُه. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).
أيها المجتمعون لصلاة الجمعة الله تعالى أكرمنا بأكمل دين وأتم علينا نعمته "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً" ما من خير إلا أرشدنا إليه وما من شر إلا حذرنا منه في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، فأرشدنا ديننا إلى الطهارة فشرع الوضوء والغسل، فيبقى المسلم على مدار اليوم والأسبوع طاهرا نقيا، فقال في نهاية آية الوضوء "مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة 6] ولا شك أننا معشر المسلمين لم نمتثل هذه الأوامر الحضارية في حياتنا فالمسلمون الآن من أكثر الناس عيشا في الأوساخ، في طرقاتنا وأسواقنا ومدارسنا إلا من رحم الله، وبدا الغرب وكأنه يعيش الإسلام من غير إسلام.
أيها المسلمون الإسلام دعا إلى الطهارة وهي أعمق معنى من النظافة التي يدعيها الغرب، فالنظافة تعنى إزالة الأوساخ ولكن الطهارة تعني إزالة الأوساخ والنجاسات في نفس الوقت.
أيها المتطهرون، المعنى القرآني للطهارة عميق جدا لا ينتهي في إزالة الخبث والنجاسة عن البدن والثياب "وثيابك فطهر" وهو ما يعرف بالطهارة المادية وإنما يتعدى إلى الطهارة المعنوية، طهارة النفس والسلوك "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب 33] فكثيرا ما نحرص على طهارة ثيابنا وأجسادنا ومحيطنا وهو أمر مطلوب وواجب لأداء الشعائر ولكن نغفل عن طهارة نفوسنا وسلوكنا.
أيها المؤمنون المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا ولكن ينجس حين يقترف المعاصي ويترك الفرائض، فرب العالمين قال لنبيه صلى الله عليه وسلم في موضوع الزكاة "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة: 103] وقال عن المشركين " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا ... [التوبة:28] فالْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ بشركهم حتى يؤمنوا.
أيها المتطهرون لعلنا في هذا المقام نركز على نوع مهم من طهارة السلوك الذي أشار إليه القرآن الكريم في عدة مواضع فقال في آية الحيض: " وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222].
وقال لأصحاب رسول الله حرصا على طهارة قلوبهم وقلوب أزواج نبيه ودرءا للفتنة: " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" الأحزاب
وامتدح الطيبات والطيبين المتعففين وذم من قبلهم الْخَبِيثَاتُ والْخَبِيثِونَ الذين ارتضوا لأنفسهم عيش الرذيلة والفاحشة فقال: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور: 26]
وقال في مواضع كثيرة في قصة لوط عليه السلام وقومه مثل قوله: "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56]
أيها المتدبرون لآيات الذكر الحكيم نرى من خلال هذه الأمثلة أن الله عز وجل يريد أن يكون مجتمع المسلمين طاهر العلاقات الجنسية، طاهر الأنساب، طاهر الأعراض، تحفظ كرامة الناس وأكثر من ذلك تحفظ صحة أفراده ونسله، حضارة الغرب شرعت للفاحشة وقننت للشذوذ ودافعت عن أصحابه، ولكن في الوقت نفسه تزايدت صيحات منظمات الصحة العالمية وما تسجله من أرقام مهولة لأمراض تنتشر بالعلاقات الجنسية المنحرفة مثل مرض السيدا جراء إباحة الزنا والترويج للإباحية، ففي فرنسا تسجل ما يقارب 6000 حالة جديدة من مرض السيدا كل سنة وفي العالم يموت ما يزيد عن مليون شخص سنويا بهذا المرض هذا ما تسجله الإحصاءات وما خفي الله أعلم به.
أيها الطيبون ليس عبثا أن تتكرر قصة قوم لوط في القرءان وأن يشير الله تعالى في كل مرة أن طريقة عذابهم هم سبيل كل من خالف طريق العفة والفطرة " فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ. مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83] " فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] " وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [العنكبوت:35] " وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [الذاريات:37] حتى طريقة هلاكهم لم تسبق أمة أن عذبت بعذابهم، تدل أن الله طهر بهم الأرض أن دفن قراهم في التراب لعل أمراضا تفشت فيهم فلا تنشر في من يأتي بعدهم.
فالإسلام أيها الكرام حرم الزنا وكل ما يقرب إليه، فحرم الخلوة بالأجنبية، ولو تعددت صور الخلوة وطرق المعاكسات مثل هذا العصر فمراسلات المحمول وشبكات التواصل من فايسبوك وشات وتبادل الرسائل والصور هي خلوة محرمة قد تكون أشد خطورة عن خلوة في مكان ما، فاتقوا الله أيها المستهينون من خطوات الشيطان، اتقوا الله أيها المصطادون في الماء العكر، اتقوا الله يا من استغل غفلة وحاجة الأرملات وحاجة المطلقات وحاجة العاملات، هل أنت مستعد أن ينتهك عرضك؟ هل ترضى أن ينتهك عرض أختك أو زوجتك أو بنتك فكذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم وزوجاتهم وبناتهم.
لو خيرت بين الموت أو أن يهتك عرضك ماذا تختار؟
لو صنف الناس إلى صنفين: مصلحين ومفسدين فأين تصنف نفسك ؟
هل تظن أن ستر الله عليك في هذا العمل كرامة؟ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
هل ترضى أن تحمل السيدا والقاذورات إلى زوجتك العفيفة وأولادك البريئين؟
أيها الأنقياء، لا أفصل أكثر من هذا ولكن تكفينا هذه الأبيات للإمام الشافعي:
عفوا تعف نساءكم في المحْرَمِ ****وتجنبـوا مـالا يليق بمسلـم
إن الزنـا دين إذا أقرضــته **** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزنِ في قوم بألفي درهم **** في أهله يُـزنى بربـع الدرهم
من يزنِ يُزنَ به ولو بجـداره **** إن كنت يا هذا لبيباً فـافهـم
يا هاتكا حُـرَمَ الرجال وتابعـا**** طرق الفسـاد عشت غيرَ مكرم
لو كنت حُراً من سلالة ماجـدٍ**** ما كنت هتـّـاكاً لحرمة مسلمِ
اللهم طهرنا وطهر مجتمعاتنا وطهر نساءنا وشبابنا وارزقنا أعمالا صالحة ترضى بها عنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

الخطبة الثانية:
الحمد لله الَّذِي أنزل من السماء ماءا طهورا، وبدل سيئات التائبين حسنات، وجعل سنته في عقاب المسرفين قائمة في الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على خير التوابين والمتطهرين وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المتطهرون لصلاة الجمعة، ديننا شامل كامل، لا يكتفي بطهارة البدن وطهارة السلوك، بل يهتم أيضا بطهارة القلب وطهارة الفكر، فالله تعالى قال عن الذين يسارعون في الكفر السماعون للكذب الأكالون للسحت " أولئك الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 41] روى الشيخان عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) فكم من مطهر ومهتم بمظهره ولكن مخبره وسريرته ليست كذلك، فطهر قلبك وفكرك أخي العزيز من الشرك، من الحسد، من التعصب، من الكراهية، إملأ قلبك بالإيمان بالرضا عن الله، بحب الخير للآخرين، بتقبل الآخرين ولو خالفوك في الرأي ولو خالفوك في الإنتماء، فعش سليم القلب فسليم القلب لا يمرض ولا يدخل النار " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" الشعراء [88-89].
خلاصة القول أن الطهارة الكاملة هي طهارة البدن من الأحداث وطهارة السلوك من المعاصي وطهارة القلب والفكر من الآفات.
اللهم طَهِّـــرْنا وطهر وأبناءنا ونساءنا وطهر قُلُــــوبَنَــــا مِــــنَ النِّــــفَاقِ والشرك والرياء، وَجوارحنا مِـــنَ المعاصي والآثام، وطهر بلادنا وبلاد المسلمين من المخدرات والمنكرات والأوبئة والأمراض.
اللهم اغسلنا من خطايانا ومن أوزارنا كما غسلت قمم الجبال بالثلوج والبرد.
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك وأصلح ذرياتنا وتب علينا واجعلنا من المسلمين لك إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر. والحمد لله رب العالمين.

أكتب تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *